منذ الأسابيع الأولى لانتشار وباء كورونا أثيرت العديد من التساؤلات عن مستقبل العالم بعد هذه الجائحة، وكيف سيكون؟ وهل ستتبدل مراكز القوى فيه؟ وهل نشهد نظاماً دولياً جديداً؟ وماذا عن النظام الاقتصادي.. والطبي.. والتعليمي؟
لا حدود لآفاق التساؤلات أو التنبؤات لما ستكون عليه البشرية بعد أزمة كورونا، التي وصفها نعوم تشومسكي بأنها “إحدى أشد صدمات العصر”.
وعلى غرار الحديث الرائج عن “عالم ما بعد كورونا” بات ضرورياً الحديث عن “خليج ما بعد كورونا”؛ إذ جاءت هذه الأزمة ودول مجلس التعاون الخليجي ليست في أحسن أحوالها، والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية تعصف بها.
بالحديث عن وضع الخليج في هذه الأزمة فهناك ملفات رئيسية برزت فيها التحديات أكثر من غيرها، وبعضها يمثل تحدياً وجودياً، ومن هنا بات من الضروري الوقوف عندها ومعالجتها، ومنها:
1- منظومة مجلس التعاون الخليجي: حيث تعاني تلك المنظومة مما يشبه الشلل بعد فشل أو تعثر أغلب مشاريعها الحيوية والرئيسية، ثم جاءتها الضربة الموجعة في أزمة يونيو 2017، وحالياً في ظل أزمة كورونا برزت الحاجة والضرورة لتقوية تلك المنظومة، فأزمة انخفاض أسعار النفط تمثل تحدياً مشتركاً لدول المجلس، وكان من المفترض أن تكون المعالجة جماعية، وكذلك التحديات الصحية والتجارية والنقل، وغيرها من التحديات التي كشفت عنها أزمة كرونا، وكشفت عن صعوبة المواجهة المنفردة والمبعثرة لدول المنظومة.
2- الاقتصاد الريعي القائم على موارد ناضبة كالنفط والغاز، فأغلب دول الخليج تراخت في بناء اقتصادات قوية قائمة على تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على المصادر الناضبة، وجاءت أزمة كورونا لتجعل تلك الاقتصادات في حالة انكشاف، بعد أن وصل سعر برميل النفط إلى أقل من 15 دولاراً، وزاد الحديث عن الاقتراض أو الأخذ من الصناديق السيادية وتسييل الأصول، والسحب من الاحتياطات، وبذلك قد تكون توقعات صندوق النقد الدولي بإفلاس الدول الخليجية في غضون 15 سنة فيه شيء من التفاؤل!
3- كبح الاتجاه نحو خصخصة قطاعات الدولة حيث كانت الخطط الاقتصادية لأغلب دول الخليج تعتمد سياسات الخصخصة، لكن من الواضح أن تداعيات كورونا ستكبح جماح التوجهات النيوليبرالية، وتعزز من هيمنة الدولة على القطاع العام، وعلى رأسها القطاع الصحي، مما سيُحمّل الإدارات الحكومية المزيد من المسؤوليات الإدارية، وربما يلقي على كاهلها المزيد من الأعباء المالية، وذلك سيجعل الإدارات الحكومية أمام تحديات حقيقية، في ظل تراجع الدخل العام.
4- ضمان تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعتبر العصب الحقيقي للحياة، فهذا الملف لم يلق عناية حقيقية في دول الخليج إلا متأخراً في بعض الدول، حيث يشير تقرير وحدة “إيكونوميست” إلى أن “دول الخليج تستورد نحو 90% من احتياجاتها من الغذاء، ويتوقع أن تصل قيمة واردات الخليج من الغذاء إلى 5301 مليار دولار، مع حلول العام 2020″، وهذا يعني أن الأمن الغذائي الخليجي سيبقى مهدداً ما لم تتغير هذه الأرقام من خلال مشاريع الاكتفاء الذاتي. وكخطوة أولية قدمت الكويت اقتراحاً بإنشاء شبكة أمن غذائي خليجية متكاملة لتحقيق الأمن الغذائي، ووافقت عليه دول المجلس.
لكن هل نرى مثل هذا المشروع على أرض الواقع أم سيكون مصيره كمصير بقية مشاريع مجلس التعاون؟
ربما يكون ما سبق أهم ما يمكن الإشارة إليه في الحديث عن الخليج ما بعد كورونا، مع وجود مجالات أخرى سيكون لها نصيب من التحديات والتحولات، مثل شكل النظام الصحي في المستقبل، وكم سيستغرق من ميزانيات دول الخليج التي كانت متضخمة بالإنفاق على التسليح العسكري، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية في العلاقات واللقاءات، والتغيير في الأنماط السلوكية والاستهلاكية والعادات والتقاليد، وحركة العمل والتنقل.
كورونا أوقف دول الخليج -والعالم أجمع- في محطة صعبة، فإما أن يغرقوا فيها، وإما أن ينطلقوا منها إلى آفاق جديدة بعد تدارك أخطاء الماضي، وفي الحالتين سنكون أمام خليج مختلف عما كان!