هل يمكن أن نستبعد سعي السلطات في العالم العربي لاستغلال جائحة كورونا من أجل إحكام السيطرة على السلطة، وزيادة قدرات الأجهزة الأمنية على التحكم في حركة الأفراد، واستثمار الظروف الاستثنائية لاختبار جاهزية وفاعلية تلك الأجهزة واستجابتها السريعة في إحكام القبضة الأمنية، وتشديد الرقابة على الحريات، وبالأخص حرية الرأي؟
إذا كان السؤال السابق قد طُرح في الدول التي يتسع فيها هامش الحرية ولديها رصيد من التجربة الديمقراطية، فإنَّ طرحه يصبح أكثر استحقاقاً في الواقع العربي الذي يعاني من أنظمة متسلطة، أو ديمقراطيات متعثرة.
لا شك في أننا أمام جائحة غير مسبوقة بالعصر الحديث، أثارت الذعر في نفوس الناس، وأربكت الدول، وأصابتها بالشلل شبه التام، مما جعل السلطات تتخذ أقصى درجات الاستنفار، وفرض الحضور الأمني والعسكري في الحياة العامة، في مثل هذه الظروف يصبح من المشروع استشعار القلق من سوء استغلال حالة الخوف واستعداد الناس للانصياع والاستجابة للأوامر، فالأنظمة الاستبدادية تتفنن في صناعة المخاوف؛ من أجل سهولة التحكم والسيطرة، فالخوف هو الوصفة السحرية التي يسهل معها التخلي عن جزء من الحريات والمكتسبات لصالح مزيد من القيود والرقابة على الحياة العامة. وفي ظل الظروف الحالية ومع وجود مخاوف حقيقية غير مصطنعة، تصبح مهمة إحكام السيطرة سهلة بذريعة مواجهة المرض، فالدولة بمؤسساتها المختلفة هي صاحبة المعرفة الأولى والمطلقة بمصالح الأفراد، وهي القادرة على حمايتهم، وذلك يحتم عليها التصرف دون مساءلة أو معارضة!
ما سبق يجعل السلطات تتعامل مع هذا الحدث باعتباره فرصة لا يمكن تعويضها؛ من أجل التوسع في إصدار القرارات وسن القوانين التي تمنحها مزيداً من الصلاحيات، فضلاً عن إسكات الأصوات المعارضة، وهذا ما حدا بالأمم المتحدة إلى التعبير عن قلقها -كعادتها- من التدابير والقوانين المطبقة في بعض الدول، مما يشير إلى وجود “خروقات غير محددة مصحوبة أحياناً بعقوبات صارمة تغذي المخاوف من استخدامها لإسكات الإعلام وتوقيف المعارضين والمنتقدين”. فوجود الفيروس والخوف من انتشاره -في نظر الأنظمة- يمنحها تفويضاً يُكسبها سلطات استثنائية بعيدة عن أي رقابة شعبية أو مؤسسية!
إثارة القلق من سلوك السلطات لا تعني التراخي في الإجراءات الصحية والوقائية، من أجل الحد من انتشار الوباء وحماية حياة الناس. لكن في الوقت الذي يتم فيه رصد وتقييم أداء الحكومات في مواجهة الوباء، لا ينبغي أن تغيب عن الراصد أيضاً احتمالية توسُّع الأنظمة في بعض الإجراءات بصورة غير بريئة، لا يكون دافعها وقائياً أو احترازياً، وإنما بهدف فرض مزيد من القيود على حركة المجتمع لدواعٍ أمنية وسياسية مرتبطة بتعزيز قبضة الأنظمة والهيمنة الاستباقية على أي نشاط محتمل للقوى المدنية الحية، أو حراك شعبي ساخط، رافعةً شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الجائحة”.