لا يمكن لأي مراقب للساحة الخليجية أن يخطئ في ملاحظة عملية الاستهداف التي تتعرض لها الكويت من قبل بعض الأطراف الخليجية التي حاولت على مدى ثلاث سنوات وبطرق مختلفة جر الكويت إلى مربعها الذي تعشش فيه الخصومات والفوضى والتدخل في شؤون الآخرين، لكن الموقف الرسمي الذي استعصى على كل تلك المحاولات مستمر في خط الحياد واستقلالية القرار.
في الكويت فضاء حيوي مفتوح تتفاعل فيه مختلف التوجهات والتيارات والمكونات الاجتماعية والسياسية، ولم يغب هذا الفضاء يوماً، لكن ربما يتعرض للتضييق ومحاولات التهميش في فترات معينة، ورغم ذلك حافظت الكويت خليجياً على موقع الصدارة في هامش التفاعل السياسي والاجتماعي مع الشأن العام.
مناخ الحرية النسبية الذي تتمتع به الكويت هو ما أزعج بعض الأشقاء، الذين -لهشاشة موقفهم- لا يمكنهم احتمال ذلك المناخ، إذ سرعان ما ينكشفون وتهتز صورتهم أمام الرأي العام الكويتي، ومهما حاولوا زرع أدوات لهم لتسويق مواقفهم فإن الفضاء المفتوح في الساحة الكويتية لا يحتمل وجود من يقوم بأدوار مرسومة ليتذاكى على وعي المواطن الكويتي، بل إن هذه الأدوات تتعرض للاحتراق السريع والسقوط المريع من عين الجمهور، وهو ما حدا بمسؤول خليجي رفيع إلى نزول ساحة “تويتر” ليهاجم مفكراً كويتياً بأسلوب أقرب ما يكون إلى أسلوب الذباب الإلكتروني، مما يشير إلى عمق المأزق الذي تستشعره تلك الأطراف الخليجية. إن مأزق تلك الأطراف مع ذاتها أولاً؛ حيث تعجز عن تقدير حجمها وقدراتها أمام الكويت، متوهمة قدرتها على أن تملي على الكويت اتخاذ مواقف معينة في شؤون داخلية أو خارجية، متناسين مدى عمق العمل السياسي، ورسوخ التجربة الإعلامية، وتداخل الحياة الاجتماعية، والمركب الذي يصنعه ذلك المزيج يستعصي على فهم بعض “العيال” الذين كبروا مؤخراً!
ربما تستشعر تلك الأطراف الخليجية ضيق الخناق عليها، وذلك بعد الهزائم التي تعرض لها مؤخراً حليفهم في ليبيا، فضلاً عن فشلهم في إخضاع قطر، والتحديات التي تتهدد وضع الرئيس الأمريكي في الانتخابات القادمة، حيث تعتبر تلك الأطراف الخليجية خسارة ترامب -بما يمثله من غطاء لرغباتهم ومصالحهم- ضياعاً لفرصة ثمينة لهم على المسرح الدولي، بالإضافة إلى موقف الكويت المتصلب من التطبيع مع الكيان الصهيوني، فمجموع ذلك وغيره يجعلهم يشعرون بضيق من الكويت التي رفضت مسايرتهم في مشاريعهم، كما استشعروا الضيق أكثر من الموقف الشعبي والرأي الحر في الكويت، الذي يتفاعل مع أحداث العالم بعفوية، ويعبر عن رأيه بكل صدق، وحيث لم يُعهد على السلطات في الكويت أن تملي على الرأي العام الموقف السياسي الذي يجب تبنيه، كما أن الرأي العام لا يتبنى بالضرورة الموقف الرسمي للدولة، وإنما تبقى هناك دائماً مسافة بين الموقف الرسمي والشعبي تمثل الهامش الذي تتحرك فيه الآراء والمواقف المختلفة للمواطنين بحرية لم تعرفها تلك الأطراف التي تعتبر كل رأي مخالف للرأي الرسمي يمثل إساءة وتآمراً وإرهاباً وخروجاً على الدولة، وبالتالي فهي تضغط باستمرار لتحجيم الرأي المخالف أو التحريض عليه بمختلف الذرائع؛ وعلى رأسها الانتماء للإخوان المسلمين!
أخيراً.. ستبقى الكويت ميداناً للرأي الحر، وسيبقى الكويتيون مثالاً للحيوية والتفاعل مع أحداث المنطقة والعالم، وأي محاولة لارتهان مواقفهم أو الإملاء عليهم مصيره الفشل سلفاً.