إن إدراك مواسم الطاعات نعمة عظيمة، ولعله من علامات إرادة الخير للعبد؛ وفتح أبواب الخير، لينهل مما فيها من بركات وأجور، ويدرك ما فيها من فضائل، وما يُفتح فيها من أبواب الطاعات، وحُق لمن أدرك مثل هذه النعمة العظيمة – نعمة شهر رمضان– أن يفرح و يأنس بها {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وهذا الفرح بحد ذاته نعمة أخرى تستوجب الشكر، يقول ابن عطاء الله : “كفى العاملين جزاءً ما فتحه على قلوبهم من طاعته، وما هو مورده من وجود مؤانسته” وهذا والله نِعم الجزاء على خير عمل، فكيف لا يفرح المؤمن و قد فُتح له موسم يكون فيه أقرب إلى مولاه ، فيشعر بحلاوة المناجاة، ولذة المصافاة.
إن عرفانَ ذي الجلال لَعِزٌ *** و بهاءٌ و بهجة وسرورُ
وعلى العارفين منه بهاءٌ *** وعليهم من المحبة نورُ
فهنيئا لعارفٍ بكَ ربّي *** هو والله دهره مسرور
الصيام فرح {للصائم فرحتان} ولكن ذلك لا يقتصر على إبراز مظاهر الفرح الشكلية، وإنما يُترجمُ بالاجتهاد في الطاعة، وطلب القبول من الله تعالى، فليس كل من يعمل يتحقق له القبول، لذلك قال ابن عطاءالله: “ربما فتح لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول “ ومن هنا تتأكد ضرورة التحقق بصفتي الخوف والرجاء في هذا الشهر الفضيل ، فالرجاء هو لإدراك النفحات الإلهية والتعرض لها في الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، والخوف إنما هو من عدم القبول من الملك الديان، وهذا هو حال المؤمن الذي يصفه الله تعالى بقوله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فهذا الوجل يقع بسب الخوف من عدم القبول، لأن المؤمن الحق يعلم أن “ليس كل من ثبت تخصيصه، كمل تخليصه”، وذلك لأن توالي النعم والإمدادات من الله تعالى قد تُطغي الإنسان إذا لم يؤد حقها، ولم يعرف حقيقة نفسه فيركن إليها، قال ابن عطاء الله: “لا تدهشك واردات النِّعَم عن القيام بحقوق الشكر، فإن ذلك مما يَحُطُّ من وجود قَدْرك” وعند ذلك تكون النعم حجةً على الإنسان لا حجة له، لأنه لم يقيدها بالشكر، واغتر بعمله، فيُحرم القَبول، ولذلك وصف الحسن البصري المؤمنين حال قيامهم بما أوجبه الله عليهم بقوله “يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم”.
وما كان شكري وافيا بنوالكم *** و لكنني حاولتُ في الجهد مذهبا
أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي، ولساني، والضميرَ الـمُحَجّبا
في هذا الشهر الفضيل، سنحاول أن نعرف بعض المعالم التي تهدينا في السير إلى الله تعالى، والقرب منه، و سنلتمس ذلك الطريق من خلال بعض الحِكَم التي وضعها أحد علماء المسلمين، المعروف بابن عطاء الله السكندري، حيث أنه وضع قواعدَ للسير إلى الله تعالى، وقد لاقت هذه القواعد القبول عند الكثير من أهل العلم، فاهتموا بها شرحا وتعليقا وتدقيقا، لذلك فإننا سنقوم بالأخذ منها ما يعيننا للسير في الطريق إلى الله تعالى في هذا الشهر المبارك..
نسأل الله القبول..